عاشق الثري عضو متألق
عدد الرسائل : 243 العمر : 34 نقاط : 1 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/09/2008
| موضوع: عزاءٌ.. شايٌ و قصة رهيبة!.. الجمعة يناير 30, 2009 4:07 am | |
| تفتّحتْ عيناي ببطء فأحسستُ بجسمي الممدّد و أوصالي المنهكة.. و لكني لم أكن على الأرض هذه المرة.. بل فوق سرير ناعم و قد أًرخي فوقي غطاء خفيف. انتشرت حولي همهمات و صيحات يُخالطها صوت بكاء شجي ليس صاحبه بغريب !.. إنه صوت عمي العجوز.. التفتُ بضعف فألفيتُ عمي جالسا على كرسي خشبي، ينظرني و يسكب العبرات في حرقة و حسرة على ما آلت إليه حالتي !.. و كان بجنبه رجال ضخام الجثث، لا أعرفهم و لكن سيماء الفلاحين بادية على وجوههم. هنئني بعضهم على نجاتي و عزّاني آخرون، في حين اكتفى البعض بابتسامات مريرة.. ثم جلس الكلّ إلى مجلسه و لم يُبد أحد رغبة في الكلام.. نهض شاب من بينهم و بخفة وضع صفحة على منضدة خشبية قربي، ثم رفع الإبريق و وزّع الشاي على الكؤوس، فمزّق صوت الانسكاب الصمت و بدا حزينا هو الآخر !.. قمتُ بصعوبة لأسند ظهري على الحائط و لاحظت أن كتفي الأيسر ملفوف بضمادة ملطخة ببعض الدم !.. فسرت بجسدي قشعريرة مُخيفة !.. تجرّعنا الشاي الساخن و حكيت لهم قصتي بصوت واهن.. و كنت في أثناء سردي لكابوسي المروع ألاحظ من يومأ برأسه و من يهمس لصاحبه و كأنهم على علم بشيء خطير !.. فلم أكد أتمّ كلامي حتى توجهتُ إليهم قائلا: - لماذا تتكلمون هكذا ؟.. أهناك شيء يجب أن أعرفه ؟ فتبادلوا نظرات ذات معنى ثم التفتَ إلي رجل، ملتحي، يبدو رزينا وقورا فأنشأ يقول: (( إن هذا المنزل الذي تتكلم عنه يا بني منزل قديم جدا.. شُيـّد أيام الاستعمار !.. و هو يعود لعائلة فرنسية، فاحشة الثراء تملك كل الأراضي بهذه المنطقة و بمناطق أخرى من المملكة !.. اعتدلتُ مكاني و صوّبت نظراتي إلى الرجل المتحدث.. فواصل قائلا.. (( و كانت لهذه العائلة طفلة وحيدة اسمها (إليزابيث).. و قد كان العمّال المستخدمون بهذه الأراضي الشّـاسعة، يعني أجدادنا.. كانوا يملكون أكواخا صغيرة وسط الحقول و كـان لهم أطفال صغار.. يجتمعون كل مسـاء ليلعبوا و يمرحوا.. و المشكلة في كل هذا أن الطفلة إليزابيث كانت وحيدة.. لا تلعب مع أقرانها في المساء و لا تنخرط في لهوهم و شغبهم.. فقد كانت معروفة بالتجهم و الاكتئاب.. و انتشرت الأقاويل بين الأطفال حول هذه الفتاة المنعزلة و التي كثيرا ما تُشاهَد تُـكلّم نفسها و تبكي و أحيانا تتمرّغ في التراب.. و لم يستطع أحد التقرّب منها أو مكالمتها أبدا، حتى أبويها كانا يُلاحظان غرابة أطوارها و شذوذ تصرّفاتها.. فقد كانت أحيانا تحتفظ بحصّتها من الطّعـام و تُقدّمها لقطّتها، فكـانت هذه الأخيرة أعزّ ما لها في حياتها.. و لم يكف والدها (فرانسوا) عن جلب الأطبّـاء و المعالجين النفسيين لمعاينتها و لكن دون جدوى.. و يُقـال أنها اقتربت ذات يوم من الأولاد وهم يلعبون الكرة و صرخت فيهم بما معناه أنها تكرههم لأنهم يربطون علاقات مع الفتيات في حين أنها لم تحظ بواحد و لم يتقرّب إليها أحدهم و أقسمت أنها ستنتقم منهم جميعا فضحكوا عليها و سخروا من نبرة صوتها الغريبة و واصلو لعبهم.. و في اليوم الموالي شاع خبر انتحارها !.. فقد وجدوا جثتها قرب النّهر و قد اخترق سكّينان عيناها الزرقاوتان حتى خرجا من قفاها !... جُـنّت أمها من هول الصدمة، و حزن أباها بالغ الحزن، ثم قرّر الرّحيــل مع زوجته المجنونة إلى فرنسا تاركين هذا المنزل مُحاطا بهالة من الشّؤم و الرّعب.. و بعد ذلك بسنوات.. صمت الرجل و أطلق زفرة حارة و هو ينظر إلى الأرض، ثم رفع رأسه ناحيتي و أردف.. (( بعد ذلك بسنوات حدثت وقائع غـامضة، لم يفهمها أحدنا بادئ الأمر.. فقد اختفى كل الأبناء الذكور للفلاحين المستخدمين بالحقول، من جيل السّي (لعربي)، و أشار إلى عمّي العجوز.. ففسّرتْ ذلك زوجة أحد الفلاحين، و كانت تمارس السحر، بكون شبح تلك الفتاة قد عاد من عالم الأموات، إلى المنزل المهجور، بطريقة شيطانية، و هي المسؤولة عن الاختفائات، إذ تتصيّد الشباب الذين أقسمت على الانتـقام منهم واحدا واحدا.. لم يصدقها أحدنا في البداية و نعتناها بالخبل و الجنون.. لكن سرعان ما انتشرت أخبار و أقاويل عن صراخ و ضحكات طفولية بالمنزل اللعين، فتأكدنا من صدق كلام المرأة العجوز.. ثم في العامين الأخيرين كان الناس يتحدّثون عن صوت طفلة صغيرة ينادي الشباب و عندما يقتـفي هؤلاء أثره يختـفون بطريقة غامضة !.. مما زاد نظرية العجوز تأكيدا.. و قد ذهب ضحية ذلك خمسة شباب آخرين.. أما هذا العام فلم تحدث أية واقعة مشابهة، إذ اختـفى كل أولاد العمّـال و أقاربهم ممن عرفتهم الطفلة (إليزابيث) !..)). أوجم الرجل و التقط أنفاسه.. فأطبق الصمت على الغرفة الضيقة لبرهة قبل أن أقول و أنا أحك مؤخرة رأسي: - و أين هو كوخ عمي و الأكواخ الأخرى التي كانت قرب الجسر ؟.. ثم لماذا تبدو الأرض المحيطة بالمنزل معتنى بها في حين أن أصحابها قد هاجروا منذ زمن طويل ؟.. و ليس هناك منزل آخر لمالك جديد أو أكواخ عُمال مثلا ؟.. و أجابني نفس الرجل بعد أن تبسّم لأول مرة: - إنك ذكي كما يقال عنك حقا !.. ثم استطرد و هو يجيل النظر في أصحابه.. - بعد رحيل عائلة (فرانسوا) لم يمتلك الأرض أحد، فقد كان العمال كالعائلة الواحدة، يجمعهم رابط عجيب من المحبة و الأخوة و كان سيدهم (فرانسوا) مثالا حيا للجود و الاستقامة و حُسن الأخلاق.. فلم يتوانوا على خدمة الأرض و الاستفادة منها جميعا بعد رحيله. ثم ورثناها نحن، أحفادهم، و خدمناها بجد و اجتهاد كما خدموها.. حتى وقع أول اختـفاء لرجل بينما كان يعمل قرب المنزل.. ثم الاختـفاء الثاني و الثالث.. و جاء تفسير الساحرة، فدبّ الرعب في القلوب و هاجرنا بعيدا عن المكان بعد أن هدّمنا الأكواخ لئلا يسكنها أحد بعدنا.. فساد الصمتُ ثانية، لأقول هذه المرة بصوت رخيم: - و طبعا بقي واحد فقط من أولئك الأشقياء.. و قد نجا بالأمس من الموت بمعجزة !.. ففهموا قصدي و حركوا رؤوسهم إيجابا و تلفظ بعضهم بعبارات الحمدلة.. * * * و حين جنّ الليل و انصرف الجميع من الحجرة بعد أن شكرتُ لهم صنيعهم و قبّلتُ رأس عمّي الذي أمطرني بعبارات العزاء و دعاني إلى الصبر و الاحتساب.. و بعد أن تدثّرتُ بغطائي و أبصرتُ بالسقف المظلم مدة لا بأس بها.. قرعتْ ذاكرتي، فجأة، أحداث و مشاهد أنارت تماما بعض ما كان يشغل تفكيري !.. إذ تذكّرت أيّـام طفولتي التي قضيتُ قسطا كبيرا منها في منزل عمّي الذي كان آنذاك شاباّ يعمل بأحد الحقول... أتذكّـر الآن جيدا تلك الفتاة الشّقراء، زرقاء العينين و التي كنتُ أتمنّى التعرّف عليها و التـقرّب منها لولا غرابة أطوارها و انعزالها الشديد و ما يُروى عنها من أشياء غريبة.. تذكرتُ ذلك اليوم عندما كنت ألعب الكرة مع أقراني.. نعم، أتذكره الآن بوضوح.. فقد جاءت تلك الفتاة ثائرة و بدأت تصيح فينا و تقول أشياء، لم أسمعها جيدا، ربما كنت بعيدا عنها، لكني لن أنسى عيناها الزرقاوتان و هي تتفحصنا باهتمام و كأنما لتتذكرنا !.. و أدركتُ أنني الوحيد المتبقي من هؤلاء الأولاد المساكين، و أنا، بسذاجتي و غباوتي، جئتُ هنا في الوقت الملائم لألقى حتفي لولا حماية الله تعالى و رعايته لي.. فالحمد له و الشكر. و قد عرفت، بالتأكيد، هوية تلك الجثث المشوهة التي رأيتها بالمنزل.. إنها لأصدقائي القدامى و الذين كنت أتساءل بشدة عن انقطاع أخبارهم عني في الآونة الأخيرة.. أما سرّ تلك العينان المظلمتان، و اللتان لم تفارقا كوابيسي منذ ذلك اليوم، فطريقة انتحار الطفلة تفسره جيدا.. ثم لاحت صورة ابني الحبيب (محمود) على السقف فابتسمتُ بشرود.. تمت بحمد الله | |
|
مسعدالنحلة عضو فعال
عدد الرسائل : 129 نقاط : 137 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: عزاءٌ.. شايٌ و قصة رهيبة!.. الخميس فبراير 05, 2009 10:38 pm | |
| رائعة أخي الكاتب الرائع عاشق الثرى .. أدام الله عطاءك .. وبارك لك في موهبتك الأدبيه العاليه تقبل تحياتي أخوك | |
|
عاشق الثري عضو متألق
عدد الرسائل : 243 العمر : 34 نقاط : 1 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/09/2008
| موضوع: رد: عزاءٌ.. شايٌ و قصة رهيبة!.. السبت فبراير 07, 2009 8:00 am | |
| شكرا على اهتمامك استاذنا مسعد النحله واحيط بعلم سيادتكم انى لم اكتب كل هذا وأنما هى مختارات من قراءت لكتاب مجهولين وشكرا لك
| |
|
مسعدالنحلة عضو فعال
عدد الرسائل : 129 نقاط : 137 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 25/01/2009
| موضوع: رد: عزاءٌ.. شايٌ و قصة رهيبة!.. السبت فبراير 07, 2009 3:23 pm | |
| - عاشق الثري كتب:
شكرا على اهتمامك استاذنا مسعد النحله واحيط بعلم سيادتكم انى لم اكتب كل هذا وأنما هى مختارات من قراءت لكتاب مجهولين وشكرا لك
أخي عاشق الثرى أحييك ولكن لم كل هذا التواضع .. إن كل ما نكتبه من إبداعات هي محصلة ونتاج ما نقرأ ونتأثر بما يكتبه الآخرين والآخرون كتبوا متأثرين بآخرين قبلهم وهكذا وإلا كيف يتطور الإبداع وينموا عبر التاريخ وعبر الزمن صحيح أنك قرأت للآخرين ( ونحن كذلك ) ولكنك أبدعت بقلمك وإحساسك أدعوا الله لك بالتوفيق الدائم أخوك | |
|
عاشق الثري عضو متألق
عدد الرسائل : 243 العمر : 34 نقاط : 1 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/09/2008
| موضوع: رد: عزاءٌ.. شايٌ و قصة رهيبة!.. الأحد فبراير 08, 2009 9:49 am | |
| شكرا لك أخى واستاذى على الثناء الجميل ولكنى احب إخبارك انى اكتب روايات وهى مسبحتى اما هذه المشاركات فى فعلا لشعراء مجهولين واعزرنى لنى لست اعرفهم وساحاول إضافه المزيد وشكرا ثانيه على الثناء الجميل
| |
|