عدد الرسائل : 225 العمر : 34 نقاط : -2 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 13/09/2008
موضوع: لقاء مع الدكتور عبد الكلك مرتاض الثلاثاء مارس 03, 2009 7:19 pm
موضحاً كيف قلبت جائزة أمير الشعراء الأوضاع د. عبد الملك مرتاض:
النظريّات النقديّة الجديدة تميل الآن إلى إلغاء الحدود بين الأجناس الأدبيّة
مفكرٌ من الطراز الرفيع، لا يفصل أبداً بين بُعْد النظرية الأدبية وبين الخط الإنساني العام، يقول في أحد تصريحاته: لست أنا الناقد الذي يستعرض عضلاته أمام ملأ الشعر!.. هكذا هو الدكتور عبدالملك مرتاض، ذاكرة أدبية غاية في التفرد يختزل تفاصيلها في صوته الفكري، جاءنا من بلد المليون شهيد ليُشهِدُنا على ثقافة المغرب العربي وخصوصية الأدب الجزائري الشهير. حين يعلّق الدكتور مرتاض على قصيدة لأي متسابق في أمير الشعراء، فهو يقدم درساً بعيد المدى، يتجاوز صوته الهادئ حدود منبره على كرسي اللجنة، ليصل إلى وعي الإنسان البعيد في كل أقاصي الأرض.
1. قراءتك لفكرة مهرجان أمير الشعراء؟ إنها فكرة فريدة من نوعها في تاريخ المسابقات الشعريّة من حيث قيمةُ جائزتها السَّنِيّة، ومن حيث طريقةُ تصفيةِ الشعراء المتسابقين، ومن حيث استقطابها لأكبر عدد من الشعراء العرب المعاصرين ممّن هم دون سنّ الخامسة والأربعين، لأوّل مرّة، في تاريخ الشعر العربيّ، يجتمعون على صعيد واحد، فيتعارفون ويتوادّون، ويتنافسون أيضاً تنافساً شرساً. فقد كانت المسابقات الشعريّة والأدبيّة تجري في نفَق مظلم، يجتمع مجموعة من «الخبراء» ثمّ يتفاوضون فيما بينهم قبل أن يقرّروا منح الجائزة لمترشّح من المترشحين، دون أن يسمع المرشَّح، أو يعرف جمهور المثقفين، لما ذا قُدّم فلان على فلان، حتّى أصبحت تلك الجوائز تثير شيئاً من الارتياب. وقد كنّا كتبنا ننتقد تلك الطرائق البدائيّة المتّبعة فيها... جائزة أمير الشعراء، لا تقدّم الأعمال الشعريّة، ويقرؤها عشرة محكّمين (ومثل هذا العدد لا يوجد إلاّ في جائزة نوبل)، بحيث لا يطّلع أحد على رأي الآخر المقدّر بعلامة يقدّرها للنص المطروح للقراءة التقويميّة، ثمّ تجمع العلامات العشرُ لكلّ شاعر، وبمقتضى المعدّل العامّ يتمّ تصنيفه وترتيبه، قبل أن يتقدّم الأوائل إلى لجنة تحكيم خماسيّة تتولّى الاستماع إلى الشعراء، وتقوّمهم بتسجيل الصوت والصورة، قبل أن ينتقل الخمسة والثلاثون إلى البثّ المباشر الذي يشاهده الملايين، بل عشرات الملايين... فالفكرة رائعة، وطريقة التحكيم منصفة إلى أبعد الحدود الممكنة... والجائزة الماليّة الكبيرة المخصصة لأمير الشعراء مغرية بحيث تحمل الشعراء العرب على التجويد وخرْق السقف طولاً!...
2. ما ذا سيقدّم هذا البرنامج للتجربة العربيّة؟ كان الشعر العربيّ يتهاوَى نحو الانحدار السحيق، وكان الشعراء يوشكون أن يقعوا في مَهاوي اليأس والاستخذاء، بعد أن خذلهم القراء، فلم يعودوا يقرءون من أشعارهم إلاّ قليلاً، وبعد أن طغى الأدب الروائيّ على كلّ الأجناس الأدبيّة في الشرق والغرب... فلمّا جاءت جائزة أمير الشعراء قلبت الأمر رأساً على عقب، فأمسى الروائيون يغارون من الشعراء، وبذلك استعاد الشعر العربيّ مكانته من حيث هو الجنس الأدبيّ العربيّ الأوّل، وأمسى الشعراء العرب يفكّرون في كتابة قصائد رفيعة المستوى الفنّيِّ بحيث تستطيع أن تتحدّى المنافسة والمنافسين، فلم يبقَ أمام الشعراء إلاّ أن يرقَوا بشعرهم إلى المستوى الفنيّ الأعلى، وإلاّ فسبيلهم معروف...
3. هل أنت أقربُ إلى الرواية أم للقصة منك إلى الشعر؟ بدأت ككثير من الأدباء في العالم شاعراً فنشرت مجموعة من القصائد في بعض الجرائد والمجلاّت الجزائريّة منذ مطلع الأعوام الستين من القرن العشرين، ولكن تبيّن لي أنّ طريقي الأدبيّ الصحيح ربما يكون في الكتابات السرديّة، لا في الكتابة الشعريّة، فأخرجت إلى الآن سبع روايات، وسيرة ذاتية، ومجموعة قصصيّة، بالإضافة إلى عشرات الكتب النقديّة... غير أن الشعريّة ظلّت تلامس كتاباتي الروائيّة كما لاحظ ذلك بعض النقاد الروائيين الجزائريين، لأنّي أرى الأدبَ إذا لم يكن شعريّاً لا يكون أدباً، وأولى للأدب الفجّ الركيك أن يندرج ضمن الأعمال التأليفيّة العاديّة ما دام آثر صاحبه، مختاراً، أن يتجانف عن الشعريّة التي هي شرط مركزيّ في مواصفة كلّ أدب رفيع... ومما زادني تعلّقاً بالشعريّات في كتاباتي الروائيّة أنّ النظريّات النقديّة الجديدة تميل الآن إلى إلغاء الحدود بين الأجناس الأدبيّة، لأنّ الشاعر قد يحكي حكاية فيمسي سارداً، كما أنّ الروائيّ قد يستهويه منظر طبيعيّ، أو لقطة جماليّة بديعة فيغتدي شاعراً بالمفهوم العامّ للشعريّات...
4. بالنسبة للنصوص المقدَّمة كيف رأيتها من الناحية الفنية؟ لا ننسَ أنّ الشعراء الذين تقدّموا إلى المسابقة، في الأصل، كانوا يُعَدّون بالآلاف، والتصفية التقويميّة التي اضطلع بها المصحّحون من أعضاء لجنة التحكيم، هي التي نَقَصَتْ من عددهم، وقلّلتْ من سَوادهم، فلم يجاوز المراحل الأولى من التصفية إلاّ من كان ذا حظّ عظيم. ثم لم تزل التصفيات والتنقيات تعمل عملها إلى أن تضاءل العدد إلى خمسة وثلاثين شاعراً. وفي هؤلاء مَن تلامس لغتُه الشعريّة لغةَ أبي الطيب المتنبي والسياب، وفيهم من هو دون ذلك. غير أنّ القصائد التي رقِيَ أصحابها إلى هذه المرحلة هي في معظمها ذات لغة فنية مقبولة. ونحسب أنّ لغة الشعر لدى الشعراء الخمسة الذين سيرقَون إلى المرحلة النهائيّة ستكون إمّا مقبولة لا ينفر منها الذوق، وإمّا بديعة تبهر الألباب، وتسحر الأسماع.
5. إضاءتك للمتسابقين بها ملامسة إنسانيّة، والأغلبيّة تشهد بذلك؛ فكيف يستفيد المتسابق من إضاءة لا تتعدّى الدقيقة الواحدة؟ ما يقوله الناقد للمنقود بعنف ومباشرة وقسوة، يمكن أن يقدّمه إليه بلطف ورقّة، فيبلّغ رسالته النقديّة للشاعر، وللجمهور، دون مصادمة ولا استعلاء. ونحن نحاول أن نتّبع الطريقة اللطيفة في التعامل مع الشعراء، ولا سيما في هذه المرحلة المتقدّمة من المسابقة، بحيث نضع اليد على المحزّ فنصدر الحكم لصالح النص، أو نترك الحكم معلّقاً تعويلاً على فهم الشاعر وجمهوره، ذلك بأنّ دقيقة واحدة تجعل الناقد يركّز على أهمّ القضايا الفنّيّة فلا يُعنَى في القصيدة المتسابقِ بها صاحبُها بتفاصيل الأشياء. ولا ننسَ أنّ معظم الشعراء المتقدّمين هم من الشباب، وأيّ قسوة مبالَغ فيها عليهم، في مثل هذه المواقف العصيبة التي يقومونها على المباشر، يمكن أن تُفضيَ إلى تدميرهم. ولم تكن الغاية من وراء هذا المهرجان العديمِ المثالِ إلاّ تربويّة قبل كلّ شيء، تأخذ بأيدي الشعراء الشباب نحو الغايات، وترتفع بالذائقة الشعريّة، لدى الجمهور بعد أن فقدَها، إلى المستوى المطلوب. ولم تكن قطّ من أجل أن يستعرض النقاد عضلاتهم على الشعراء فيتفيْهَقون عليهم تفيهُقاً، ويتشدّقون عليهم تشدّقاً.
6. ما سبب عدم تواجد قصيدة النثر في المسابقة من وجهة نظرك الأدبيّة؟ كان يفترض أن يلقَى هذا السؤال على السادة القائمين على تنظيم المسابقة، غير أننا نعتقد أنّ قصيدة النثر لَمّا يقع الاعتراف بها اعترافاً مجمَعاً عليه بين كلّ النقاد من وجهة، فهي لَمّا تقم، إذن، على ساقيها في رأينا، ثم ّإنّ طبيعة قصيدة النثر تقتضي أن تُقرأ أكثر مما تُلقى على جمهور عامّ غير متخصّص، من وجهة أخرى. ذلك بأنّ الأذن العربية هي أذنٌ إيقاعيّة، ولا يمكن أن تلغي قصيدةُ النثر الحديثة الميلادِ ما ظلّت الأذن العربيّة تتعامل معه طوال ستّة عشر قرناً من تاريخ الشعر العربيّ المكتوب.
7. كيف تصف لنا المشهد الثقافيّ في الجزائر بشكل خاصّ، والمغرب العربيّ بشكل عامّ؟ للعروبة جناحان: المشرق والمغرب، ولا يمكن أن تتحرّك هذه العروبة إذا هِيضَ أحدُ جناحيْها. من أجل ذلك ظلّت الثقافة المغاربيّة، وقبلها الأندلسيّة، مكمّلة متكاملة للثقافة العربيّة دون أن تكون يوماً واحداً قطّ متناقضة معها، أو معارضة لها، لأنّ الْمَعين واحد، ولأنّ الأرومة هي، هي. وتجد اليوم في المشهد الثقافي في الجزائر ما تجده في أيّ مشهد ثقافيّ آخر، في أيّ قطر عربيّ آخر، مع تفاوت في هذا الجنس من الثقافة أو ذاك، رقيّاً وتَدنّياً. ففي الجزائر اليوم نقاد من الطراز الأوّل، وفيها روائيّون كبار منهم من جاوز عدد رواياته العشرين، وفيهم من نال جوائز عربيّة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب بوجه خاصّ. كما أنّ فيها شعراء نالوا عدّة جوائز عربيّة مما يوهم بأنّ مستوى الكتابة الأدبيّة في الجزائر هو، بوجه عامّ، بخير. ولا يقال إلاّ مثل ذلك في الإنتاج السينمائيّ والمسرحيّ والغنائيّ، مع إقرارنا بأنّ كلّ ذلك محتاج إلى ترقية وصقل وعمل مستمرّ... في حين أنّ الثقافة في المغرب العربيّ، وخصوصاً في تونس والمغرب، هي على مستوى عالٍ من الحضور العربيّ والعالميّ: روايةً، وشعراً، ونقداً، وتمثيلاً. وعلينا أن نذكّر بالخصوصيّة التي يتمتّع بها المغرب العربيّ، وهي قربه من أوربا من وجهة، وكتابة بعض كتّابه باللّغة الفرنسيّة التي نال بها كتّاب جزائريون ومغاربة جوائز فرسية كبيرة (كاتب ياسين، ورشيد ميموني، والطاهر بن جلون...) من وجهة أخرى. 8. أنت ناقد لغويّ من الدرجة الأولى، فكيف وجدت اللغة في النصوص المقدَّمة في المسابقة؟ أمّا اللغة في النصوص التصفويّة فكانت غيرَ نقيّةٍ ولا مصفّاةٍ إلاّ فيما ندر منها، في حين أنّ اللغة المعجميّة التي يكتب بعا عامّة الشعراء الخمسة والثلاثين، هي في مجملها إمّا سليمة نقيّة، وإمّا فصيحة عالية الفصاحة. ولم نعد نلاحظ الأخطاء النحويّة والهناتِ اللغوية في هذه النصوص إلاّ قليلاً. ولقد يدلّ ذلك على عناية هؤلاء الشعراء، خصوصاً بعد أن علموا أنّه يوجَد مَن هم لهم بالمرصاد من أعضاء لجنة التحكيم، بلغتهم فإذا هم ينقّحونها ويصفٌّونها، ونرجو أن يستمرّ هذا السلوك كلّما تقدّمت المسابقة إلى مراحل أعلى، لإعادة الوهج النّسْجيّ لجمال العربيّة في أرقى مَعارضها الأسلوبيّة.
9. هل لك أن تقدّم لنا نفسك؟ إنّ أثقل شيء لدى الناس أن يحدّثهم محدّث عن نفسه، ولكنكم ما دمتم طرحتم هذا السؤال لا يسعنا إلاّ الإجابة عنه باختصار شديد، وكيما يعرفَ الجمهور الكريم عنّا، ما لم يكن قد عرفه من قبل: صدر لي إلى اليوم قريبٌ من خمسين كتاباً (نُشرت في الجزائر وتونس والقاهرة ودمشق وبيروت والرياض والكويت وصنعاء)، كما نشرت في أهمّ الدوريات العربيّة من فاس إلى مسقط، عشرات الدراسات، من حيث ظللت أكتب لسنوات طويلة أو قصيرة في الصحف العربية كتابات منتظمة كما كان ذلك في الراية، وعكاظ، والرياض، وحالياً الخليج، وقد تُرجمت بعض الدراسات إلى اللغتين الإنجليزية (الولايات المتحدة الأمريكيّة، جامعة فلوريدا)، والفرنسيّة (جامعة ستراسبورغ)... وأمّا عن شهاداتي فأنا حاصل على القسم الثاني من الشهادة الثانوية من المعهد العالي بتطوان (المغرب)، وشهادة الليسانس في الآداب من جامعة الرباط، وشهادة التربية وعلم النفس من المدرسة العليا لتخريج الأساتذة بالرباط، ودكتوراه الطور الثالث في الآداب من جامعة الجزائر (وهي أوّل درجة أكاديميّة تمنحها جامعة الجزائر في عهد الاستقلال)، ودكتوراه الدولة من جامعة السوربون الثالثة بباريس بإشراف المستشرق الفرنسي أندري ميكائي، ورأَسَ لجنة المناقشة الممتحِنة المفكّرُ العالميّ الصِّيتُ محمد أركون.