زواج عرفي
وقفت
حسنيه وفرائصها ترتعد أمام ماكينة التغليف , فقد أغفلت أن تضغط على الزر الأحمر
قبل أن يندفع رول البلاستيك .. فأهدرت منه ما يقرب من عشرة أمتار , قبل أن تتوقف
الماكينة .. كانت تخشى من صاحب المصنع بصوته الأجش .. وأوداجه المنتفخة .. ولغده
المتدلي كلغد البقرة العجوز .. ربما لم يسبق له أن وجه لها لوما أو توبيخا من قبل
.. ولكنها شاهدت بعض زميلاتها اللائي أخطأن .. وكيف كان يكيل لهن السباب والشتائم
بأفظع الألفاظ .. حتى أن الجميع كان يهاب غضبه وثورته .. فكن يتقين شره فلا يخطئن ..
كن يتحاشين أم سوسو قدر الإمكان رغم صعوبة ذلك .. فأم سوسو كان أنفها في كل شيء ..
وأذنها كالرادار .. تلتقط أي صوت مهما كان خافتا .. كانت أم سوسو الناضورجي ..
كلفها الحاج مدبولي صاحب المصنع بأن تكون عيناها مفتوحتين علي الآخر .. وأن تقوم
بإبلاغه فورا بأي خطأ يقع من العاملات .
اقتربت
أم سوسو من حسنيه .. نظرت إليها ثم إلى الماكينة .. أمسكت بالبلاستيك المهدر في
استهانة .. راحت تنحني .. وقفت وهي تضع
يديها على أجناب خصرها وهي تقول ..
ــ هللا هللا يا ست حسنيه .. إيه اللي عملتيه ده ؟
داهيتك سودا ..
التفت
بجزعها التفافة عسكرية مفاجئة .. ويممت شطر مكتب الحاج مدبولي لا تلوي على شيء .. ظلت
حسنيه ترتعد من الخوف وهي حائرة كأنها فأر في مصيدة .. لا تدري ماذا تفعل حيال
ثورة البركان المنتظر حدوثها بين لحظة وأخرى .. زميلاتها مستمرون في العمل علي
الماكينات دون توقف .. يرمقنها بنظرات اشفاق وحزن وهن يمصمصن بشفاههن بين الفينة
والأخرى تعبيرا عن مدى الشفقة والأسى والأسف لموقفها الذي لا تحسد عليه .. .. تمر
الدقائق في بطئ شديد .. يخرج الحاج مدبولي من مكتبه متأرجحا في مشيه مثل طائر
البطريق .. يسبقه كرشه الكبير .. وخلفه أم سوسو بقوامها النحيف .. تسير في قفزات
مثل أبو فصادة ..
وصل
الركب إلى الماكينة .. حيث تقف حسنيه , وقد بلل العرق ملابسها وشعرها .. منكسة
الرأس تخشى أن ترفع عينيها .. منتظرة سيل الشتائم , والتقريظ , والألفاظ النابية
.. مسحها الحاج مدبولي بعينه من شعر رأسها إلى إخمص قدميها .. وكأنه يعاين بضاعة
مقدم على شرائها .. سألها ..
ــ إيه اللي حصل يا شاطرة ؟ ..
ردت
بصعوبة ..
ــ غصب عني يا حاج ..
علت
وجهه ابتسامة وسط ذهول الجميع , وهو يقول لها .. في طيبة بدت كأنها مصطنعة ..
ــ معلش .. حصل خير .. بس خدي بالك المرة الجايه
.. واما تخلصي شغل أبقي مري عليا في المكتب ..
لم
تصدق حسنيه أن هذه الورطة مرت بسلام .. أقبلت عليها زميلاتها يهنئنها على حسن حظها
.. لأن الحاج مدبولي .. على غير العادة .. كان هادئا ومزاجه عاليا .. وكانت هي
سعيدة فلم يحدث لها ما لا يحمد عقباه كالعادة في هذا المصنع ..
تخطت
حسنيه عامها الثاني والثلاثين ولم يتقدم إليها من يطلبها للزواج .. مما أثر في
نفسها كثيرا .. ووضعها في سجل العانسات .. فهي من أسرة متواضعة , وتسكن في حي شعبي
متواضع .. بسيط .. تتزوج فيه البنات عندما أن يبلغن سن السابعة عشر .. وربما قبل
ذلك , كما حدث لبنت المعلم كرشة الجزار .. فإذا بلغت البنت الخامسة عشر تبدأ تدق
نواقيس الإنذار .. وتنطلق صفارات الخطر .. لذلك فقد كانت نظرات الرثاء والشفقة
تغمرها كلما سارت في الحارة .. كانوا يتحسرون علي حظها العاثر , وبختها الذي مال
رغم جمالها .. لم يكن هذا هو شعور أبيها وأمها .. فقد كانت مصدر رزقهما الوحيد ..
كانت تدر على الأسرة عائدا شهريا من عملها بالمصنع يكاد يفي باحتياجاتهم الأساسية
كالطعام والمسكن .. كما كان يسمح باستمرار إخوتها الصغار في المدارس دون توقف ..
والحق
يقال .. فإن حسنيه لم تنضم إلى طابور العوانس لعيب فيها , أو لدمامة تنفر منها
الناظرين , أو انبعاج في القوام أو عرج في القدم .. بالعكس .. كنت تتمتع بقدر كبير
من جمال الوجه , وتناسق تضاريس القوام .. وهدوء وطيبة محببة للنفس .. الجميع في
الحارة يحترمها ويقدرها لهدوء طبعها .. وحسن أخلاقها .. ومقدار التسامح الذي كانت
تحمله في صدرها .. كان صدرها رحبا للجميع .. حتى لمن يسيء إليها بسبب أو بدون سبب
.. لا تقارع أبدا بالمثل .. لذلك أحبها الجميع .. أما سبب انضمامها إلى قائمة
العوانس .. هو تسرب الزمن من بين يديها عندما اطمأنت لقدرها الذي تخلى عنها فجأة
.. لتفيق ذات يوم وقد بدأ قطار الزواج يغادر محطتها ويتركها وحيدة تنتظر .. فعندما
بلغت العشرين عاما من عمرها تقدم إليها وخطبها الأسطى سعد الكهربائي .. كان شابا
وسيما على درجة عالية من الشهامة والرجولة .. خدوما .. معطاء .. يقدم العون للجميع
دون طلب أو رجاء .. كانت دائما المبادرة منه هو ..من تلقاء نفسه .. دامت خطوبتهما
سبع سنوات كاملة .. كان الأسطى سعد خلالها يعمل ليل نهار ليدبر الأموال للإعداد
للزواج .. قام بتأجير شقة في نفس الحي , بل في نفس الحارة .. عاونه أولاد الحلال
الذين يحبونه هو وحسنيه , وهم كثر .. انتهى من طلائها .. بدأ في شراء العفش .. في
هذه الأثناء طلب لتأدية الخدمة العسكرية .. أداها لمدة ثلاث سنوات كاملة .. كان
يتطلع بشوق لليوم الذي ستنتهي فيه خدمته العسكرية ليخرج رديفا ليعقد قرانه ويزف
إلى حسنيه .. كان كل شيء معدا وعلي أهبة الاستعداد لاستقباله لتحقيق ما يتمناه
ويتطلع إليه .. تحدد يوم الزفاف .. أعدت حسنيه الفستان .. أعدت ملابسها وأشياءها
بالكامل غير منقوصة .. استعد الجميع لاستقباله .. ولكن كما يقول المثل .. تأتي
الرياح بما لا تشتهي السفن .. انقلبت سيارة البيجو الأجرة التي كان يستقلها سعد في
طريق عودته بعد أن تسلم شهادة تأدية الخدمة العسكرية .. اصطدمت بلوري في الجهة
المقابلة للطريق .. مات كل من بالسيارة البيجو .. كان خبرا مأسويا محزنا على أهل
الحارة , ولكنه كان بالنسبة لحسنيه كارثة
.. كان طامة كبرى .. انهار أمامها كل شيء في لحظة واحدة .. ما كانا يشيدانه في سبع
سنين أصبح في خبر كان في لحظة .. في نبأ وصل إليها عبر هاتف عم حمدون البقال .. يا
لها من أقدار .. يا له من حظ .. يا لها من تدابير السماء التي لا يعلم مغزاها لا
الله ..
سلمت
حسنية الأمر لله .. ظلت على حالة الحزن والصبر .. منكبه علي صمتها ووحدتها طويلا
.. تمر الأيام والسنين ولم يتقدم إليها من يطلب يدها للزواج .. أما شباب الحار ,
وحبهم الشديد للأسطى سعد جعلهم يحجمون حتى لمجرد التفكير في حسنية كزوجة أو خطيبة
.. احتراما لذكراه .. أو لم يتقبلوا أن يكون منهم من يحل محله , ويستمتع بخصوصياته
..
ابتلعت
حسنية مأساتها في جوفها .. وانكبت في العمل في المصنع توليه كل جهدها بعد أن أغلقت
باب تفكيرها , وطمرت في صدرها مشاعرها , وكبلت أحزانها .. كان كل هدفها , ومبلغ
همها أن تسلم أباها أجرها الشهري من المصنع ليتولي هو مسئولية حل المعادلة الصعبة
للوفاء بأكبر قدر ممكن من احتياجات الأسرة بعد تحديد أولويات لها .. فقد كان أجرها
هو دخل الأسرة الوحيد ..
لاحظت
حسنيه أن الحاج مدبولي .. صاحب المصنع .. بدأ يوليها اهتماما خاصا لا تدري له سببا
.. أخبرتها لولا زميلتها في المصنع أنه يشفق عليها منذ أن علم بمأساتها .. لأن
قلبه طيب عطوف .. لا يتحمل سماع المآسي .. لذلك فقد أحس بها ولم يستطع أن يصرف
اهتمامه , وتأثره ..
كانت
لولا إحدى العاملات بالمصنع .. ولكنها تتمتع بحرية أكثر منهن .. كانت الوحيدة بعد
أم سوسو التي تستطيع الدخول إلى مكتب الحاج مدبولي في أي وقت , وبلا استئذان .. حتى
أن البعض اعتقد أنها إحدى أقاربه المقربات , ولكن لم يكن اعتقادا جازما .. كانت
لولا بطبيعتها مرحة .. شقية .. حتى يخيل إليك من تصرفاتها أنها فتاة لعوب في ملهى
ليلي .. لم يحدث من قبل أن تقربت من حسنية , أو تحدثت معها .. فقد كانت تعتبرها من
طراز آخر , لا يناسبها .. ولكن فجأة .. وبعد حادث الماكينة .. كثر اقترابها من
حسنيه , وتعددت محاولات التودد إليها .. كأنها تحاول الغوص في أغوار أعماقها
لتستكشف غموضا بها .. أم تستخرج بعض أسرارها .. وبعد محاولات مضنية , وجهد كبير ..
استطاعت لولا أن تخطب ودها , وتكسب ثقتها .. حتى أن حسنية .. هذا البئر العميق ,
والسد المنيع الذي يصعب اختراقه .. قد انفلت لسانها .. وانطلق في الكلام .. وانفتح
صدرها المغلق كأنه الزنزانة في قلعة الباستيل في القرون الوسطى .. وانسابت أسرارها
تتدفق بلا ضابط أو رابط يحكمها .. قصت عليها شريط حياتها بالكامل .. وضع أسرتها .. مأساتها مع سعد .. علاقتها مع
أهل الحارة , وكيف يحترمونها ويقدرونها ويرثون لحالها , ويتعاطفون معها .. نقلت
إليها مخاوفها , وأحلامها , وطموحاتها .. وكلما انهمرت دموع لولا انسابت حسنية
أكثر في سيل همومها .. واتسع قلبها , واندلق ما في جعبتها من أسرار ومواجع ومآسي
وطموحات , وأحلام .. أصبحت تبث آلامها بلا حذر , بعد أن كانت آلامها جرحا غائرا
أغلقته بما فيه وغطته وأخفته حتى عن أقرب المقربين لها .. وكشفت عن حزنها وغمها
بعد أن لثمته بماسك الهدوء والاستكانة .. باحت بأسرارها بعد أن أودعتها بئرا سحيقا
يصعب الوصول إليها .. طرحت أحلامها وآمالها بعد أن أقبرتها ودفنتها وأهالت عليها
أطنانا من الرمال .. أصبحت حسنيه كتابا مفتوحا تقرأه لولا بسهولة ويسر .. أصبحت تعرف
فحواه من مجرد رؤية العناوين فيه .. لم تكن مهمة لولا سهلة .. فقد بدأت هي في سرد
أحدث وروايات كثيرة ومتنوعة .. لم يسلم الأمر من بعض معزوفات من البكاء , وبعض
انسيابات للدموع من المآقي تنهمر من العيون وتترك علي الخدود رغم وجود المناديل
الورقية في حقيبة اليد .. مع بعض التشنجات والتأوهات .. لم تكن لولا تحث حسنيه على
الكلام .. وإنما تطوعت هي عن طيب خاطر بعد أن سمعت من لولا .. وشعرت أن هناك من
البشر من يشاطرها سوء الطالع , وظلم الأقدار .. فانطلقت وحدها في تفريغ شحنتها
المكبوتة , كبالونة لمسها سنا مدببا فانفجرت تطلق الهواء الحبيس بها دفعة واحدة ..
كانت لولا تتعمد قطع استرسالها مستأذنة بأداء أعمال بالمصنع مما كان يجعل حسنيه
تتحين الفرص بفارغ الصبر لتفرغ لصديقتها باقي مخزونها من أسرار .. ولم تكن هذه
الفرص عزيزة أو غير متاحة فسرعان ما تظهر لولا بجوارها تتظاهر بالبحث عن شيء ما ..
كانت تترك حسنية تبحث عنها في لهفة وشوق وصبر نافذ لاستكمال ما بدأته من حديث ..
والغريب في الأمر أن أم سوسو كانت ترهما يتحدثان وقد أهملا عملهما وكأنها لا ترى
شيئا ..
أفرغت
حسنية كل ما كانت تكتمه في صدرها .. وأحست أنها ألقت من على كاهلها عبئا ثقيلا ,
حملته معها صديقتها لولا التي أصبحت لها بئرا يصون أسرارها .. قالت لها لولا ..
ــ ياه يا حسنيه .. دا انتي يا اختي شايلة ف قلبك
كتير قوي .. والنبي انتي أثرتي فيا خالص .. .. دا انتي يا بت همك أكبر من همي ..
ثم
أخرجت منديلها وراحت تجفف دموعها التي لم تتأثر بها خطوط الماكياج من قريب أو من
بعيد .. وأردفت ..
ــ بس يا
بت انتي سيبتي نفسك من غير جواز المدة دي كلها ازاي يا هبله .. كنتي مستنية عريس
يقع تحت رجلك واللا إيه ؟ .. يا بت انتي جميلة وألف راجل يتمناكي ..
اتسعت
حدقتا حسنية , ولمع في عينيها بريق الدهشة والتساؤل ..
ــ ازاي يعني ؟ ..
ــ أنا يا بت فيه واحدة أعرفها زيك .. فاتها القطر
كده ..بس قالت في نفسها مش ممكن أسكت .. وأسيب الأيام تموتني وانا لسه ما دخلتش
دنيا .. رسمت رسمها , ورمت شباكها على راجل غني.. فضلت وراه لحد ما اتجوزها ..
وبقت ست الستات ..
ــ وإيه اللي كان مانعه من الجواز العمر ده كله ,
ما دام غني ومفهش عيب ! ..
ــ كان متجوز يا بت .. ومعاه ولاد كبار .. إنما
قالت لنفسها .. وانا أظلم نفسي ليه واعيش وأموت عانس .. واهو كل واحد ياخد نصيبه
مدام كل بيت لوحده ..
ــ لأ ياختي لأ .. ده تبقى بنت مش كويسه اللي تعمل
كده .. دا حتى الموت أهون ..
ــ طب يا اختي .. خليكي عبيطه كده .. هو احنا يا
بت قلنا إنهم عملوا حاجة في الحرام .. ده جواز علي سنة الله ورسوله ..
تركت
لولا حسنيه عدة أيام .. لم يلتقيا .. فقد حصلت على أجازة لزيارة أقاربه في البلد ,
وأصبحت حسنيه وحيدة .. تشعر بفراغ كبير لافتقادها صديقتها التي حملت عنها الكثير
من الهموم , وأطلقت لسانها .. وأنعشت خيالها .. وأيقظت أحلامها وآمالها لتنحى بها
منحى آخر .. ظل خيالها نشطا .. يعمل بلا كلل أو توقف .. كانت تفكر ليلا في البيت
وهي في فراشها مستلقية بجسدها , ويقظة بأفكارها , مسهدة بخيالها .. فقد كانت كلمات
لولا لها فعل السحر عليها .. لم تتركها هذه الأفكار نهارا فكانت تطاردها في المصنع
أيضا فكثرت أخطاءها وهفواتها , ولكن الغريب أن أم سوسو الرهيبة كانت لا تبالي ..
ودن من طين , وودن من عجين .
لاحظت
أم حسنيه على ابنتها هذا التشتت والتوهان والسرحان .. أسرَّت لأبيها خوفها أن يكون
قد ألم بالبنت مكروها .. فهي المصدر الوحيد لدخلهم الضئيل .. ولكن الأب طمأنها
بأنه ربما زاد عليها المجهود في المصنع بسبب موسم الصيف وكثرة العمل فيه لتلبية
حاجة السوق .. وربما أصابها شيئا من الإرهاق سرعان ما يزول عندما يخف الضغط .
تتساءل
حسنية في نفسها ( كيف توافق على الاقتران بمثل هذا الزوج ولم يتقدم لها أحد حتى من
هذه النوعية ؟ .. هل تنزل إلى الشارع
وتبحث عنه .. أو تسأل كل من يقابلها إن كان يبغي زوجة صغيرة ستوافق عليه فورا مهما
كانت ظروفه ؟ .. ) وينتهي بها الأمر إلى اليأس والإحباط ..
عادت
لولا بعد انقضاء أيام الأجازة .. تلقفتها حسنية بشوق شديد , وغمرتها بوابل من
القبلات والأحضان مما أدهش لولا كثيرا .... التي بادرتها قائلة ..
ــ واحشاني يا بت يا مضروبة .. عملتي إيه وانا
غايبه ؟ ..
ــ أبدا يا اختي انت سيبتيني مخي يضرب يقلب ..
ــ في إيه يا بت ؟ ..
ــ ولا حاجه ..
ــ اتكلمي يا بت يا خايبه .. هو احنا مش اخوات
واللا إيه ؟ ..
أطرقت
حسنية في خجل , وقد خرجت كلماتها في همس .. كأنها من تحت أهدابها المغلقة وهي
مطأطئة ..
ــ موضوع الجواز ..
تطلق
لولا ضحكة شقية رنانة .. هزت أرجاء المصنع ولفتت انتباه العاملات برهة .. سرعان ما
عادوا بعدها إلى الانهماك في العمل خوفا من أم سوسو الرهيبة التي نظرت إلى لولا
وحسنيه نظرة سريعة خاطفة لا تنم عن انطباع ما , أو اعتراض وكأن الأمر لا يعنيها ..
قالت لولا ..
ــ يوه جتك إيه يا بت يا حسنيه .. انتي لسه فاكره
؟ ..
ثم
ترتسم على وجهها علامات الجد والحزم .. وكأنها ستدلي بأمر خطير تستطرد ..
ــ اسمعي يا بت يا حسنيه .. أنا جتني فكرة دلوقتى
.. إيه رأيك في الحاج مدبولي ؟ ..
أخذت
حسنية وأجفلت في فزع فأردفت لولا ..
ــ إيه يا بت مالك ؟ .. انتي مش بتشوفي واللا إيه
؟ ..دا الراجل ما بينزلش عينه من عليكي ..
ــ بس دا كبير , ومتجوز .. وتخين يا لولا ..
ــ وماله يا بت .. دا الراجل ما يعيبوش إلا جيبه
.. إسمعي يا بت .. أنا هاعمل فيكي خدمة وأجس لك نبضه من بعيد واعرف ميته إيه .. بس
سيبي الحكاية دي عليا ..
لم
تستغرق المسألة وقتا طويلا .. فلم تلبث أن أقبلت لولا بعد انتهاء العمل في المصنع
, وعلى وجهها ابتسامة عريضة .. قالت لحسنية هامسة وهي تهزها من كلتا كتفيها ..
ــ مبروك يا بت .. أتاري الراجل كان مستني على نار
.. بس مش عارف يقول لك ازاي .. بس هو عنده شرط صغير ..
ــ شرط !! .. شرط إيه ؟ ..
ــ يا ستي عاوز الجواز يفضل سر .. ما يعرفهوش أي
حد ..لا من أهلك , ولا حد من المصنع , ولا في أي مكان .. مدة صغيرة كده لحد ما
يهيأ الجو ..وبعدين يعلنه ع الناس كلها .. كمان عاوز يكون جواز عرفي , وبعد ما
يعلن علي الناس حيجيب مأذون ويبقى رسمي ..
أصيبت
حسنية بخيبة أمل , وإحباط .. أبدت رفضها على الفور ..
ــ لا ياختي هوه ده يبقي جواز ؟ ..
ــ يا بت يا عبيطه .. وافقي لحد ما تتمكني ..
والجواز العرفي ما هو برضه جواز بس بعيد عب ورق الحكومة .. زي الناس ما كانوا
بيعملوا زمان قبل ما يخترعوا حكاية القسيمة ..
ــ لا ياختي .. حا اوري وشي للناس في الحارة
والمصنع ازاي ؟ .. وأهلي يقولوا عليا إيه ؟ ..
ــ ما حدش ها يعرف خالص .. ثم انت حيكون ليكي شقتك
الخاصة بيكي , ومش حتكوني فيها إلا ساعتين بس من ساعات المصنع .. يعني ما حدش هيحس
خالص ..
رفضت
حسنية رفضا قاطعا .. ولكنها بعد عدة أيام .. وتحت الإلحاح المستمر من حسنية رضخت
لتتواجد في شقة فاخرة في حي فاخر , تبعد عدة مئات من الأمتار عن المصنع لعدة ساعات
لا تتجاوز الساعتين يوميا بحجة أن الحاج يرسلها لقضاء بعض الأعمال التي تخص المصنع
..
( لها بقية )